للعام الثاني على التوالي.. السعودية تتخطى حاجز الـ100 مليون سائح سنويا

شهد قطاع السياحة في المملكة العربية السعودية خلال عام 2024 تحوّلًا نوعيًّا غير مسبوق، كرّس موقع المملكة كإحدى أبرز الوجهات السياحية على المستويين الإقليمي والدولي، وبحسب التقرير الإحصائي السنوي الصادر عن وزارة السياحة، فقد حققت المملكة أعلى معدلات الأداء منذ انطلاق رؤية 2030، لتسجل أرقامًا تاريخية سواء في أعداد السياح أو في حجم الإنفاق السياحي من الداخل والخارج.

وتمثل هذه الطفرة امتدادًا للزخم الذي حققته المملكة خلال السنوات الماضية، لكنها تميزت هذا العام ببلوغها مستويات قياسية تعكس نضج القطاع السياحي السعودي، واتساع نطاق المشاركة المجتمعية والخاصة في دفع عجلة التنمية السياحية، فقد بلغ عدد السياح الإجمالي -سواء من الوافدين من الخارج أو من المواطنين والمقيمين داخل المملكة- ما مجموعه 115.9 مليون سائح، في تأكيد على أن السياحة باتت ركيزة اقتصادية أساسية في هيكل النمو غير النفطي الذي تستهدفه المملكة ضمن مشاريع التحول الوطني.

ويتضح من بيانات الوزارة أن هذه الأرقام لم تأتِ من فراغ، بل كانت نتاجًا لاستراتيجية وطنية شاملة تمثلت في إطلاق عشرات المبادرات والمواسم والبرامج الترويجية التي طالت مختلف مناطق المملكة. فقد تم تطوير بنى تحتية جديدة، ورفع مستوى الجاهزية للفعاليات الدولية الكبرى، إلى جانب تيسير إجراءات الدخول والخروج وإصدار التأشيرات، خصوصًا لمواطني الدول المصدّرة للسياح. وترافقت هذه التحسينات مع تحولات جذرية في نوعية العروض السياحية، الترفيهية والثقافية والبيئية، مما ساهم في اجتذاب شرائح واسعة من الزوار الجدد.

وفي موازاة هذه النجاحات، واصل القطاع المحلي أداءه القوي، مدفوعًا بعوامل عديدة أبرزها زيادة الوعي المجتمعي بأهمية استكشاف الوجهات الداخلية، وتحسن مستوى الخدمات الفندقية، وتكامل الجهود الحكومية لتشجيع السياحة الأسرية. ويأتي ذلك في وقت تشهد فيه المملكة تغيرًا في سلوك المستهلك السياحي، إذ بات المواطن السعودي أكثر ميلاً لاكتشاف التنوع الجغرافي والثقافي داخل بلده، سواء عبر الجبال الخضراء في عسير، أو عبر سواحل البحر الأحمر في تبوك وأملج، أو من خلال التجارب التراثية في العلا والدرعية.

وما بين الأرقام والإقبال المتزايد، يكتسب التقرير السنوي لهذا العام أهمية استثنائية، كونه يشكل مرآة صادقة للواقع الميداني للسياحة في المملكة، ويضع مؤشرات دقيقة لما تحقق فعلاً على الأرض، دون الاكتفاء بالشعارات أو الخطط. كما يكشف عن مدى التفاعل بين رؤية الدولة، واستجابة السوق السياحية العالمية، بما يعزز ثقة المستثمرين في استمرار الزخم السياحي خلال الأعوام المقبلة.

في هذا التقرير، نستعرض أبرز المؤشرات والأرقام الواردة في التقرير الرسمي، مركزين على النمو في السياحة الوافدة والمحلية، وحجم الإنفاق السياحي، وتوزيع السياح حسب الأغراض والوجهات، ونمط الإقامة، والدول المصدّرة للزوار، والأشهر الأعلى كثافة في الحركة السياحية، في سرد قصصي مدعوم بالبيانات الرسمية.

السياحة الوافدة.. نمو تاريخي

سجلت أعداد السياح القادمين من الخارج مستويات غير مسبوقة في 2024، حيث وصل عددهم إلى 29.7 مليون سائح (زيارات مبيت) بزيادة قدرها 8 % مقارنة بعام 2023م، وبهذا الرقم القياسي، تجاوز القطاع السياحي أهداف المملكة، وجاءت مصر في الصدارة كأكبر دولة مصدر للسياح إلى السعودية بعدد 3.2 ملايين سائح، وبلغ إجمالي الإنفاق السياحي للوافدين 168.5 مليار ريال (نحو 45 مليار دولار)، مسجلًا نموًا سنويًا بنسبة 19 % مقارنة بعام 2023م، وقد ساهم هذا النمو الكبير في الإنفاق المستورد بنسبة 70 % أكثر من مستويات 2019 قبل الجائحة، مما يُبرز قوة الطلب الخارجي المتجدّد على المنتج السياحي السعودي.

وشهد مارس 2024 ذروةً في السياحة الوافدة، حين وصل عدد الزوار الخارجيين إلى 3.2 ملايين سائح في شهر واحد، ويُعزى هذا الإقبال إلى تناغم العطلات والإجازات مع برامج ترويجية مكثفة، وعلى صعيد الغرض من السفر، استحوذت الحج والعمرة وزيارة المدينة المنوّرة على النصيب الأكبر من رحلات الوافدين، حيث مثلت 41 % من إجمالي الرحلات الخارجية (حوالي 12.3 مليون رحلة)، ولا تزال مكة المكرمة الوجهة الأكثر جذبًا للوافدين، فقد استقبلت نحو 17 مليون زيارة ليلة في عام 2024، متصدّرةً بذلك مدن المملكة كأكبر مقصد لرحلات السياح الوافدين، وتشير البيانات إلى أن السائح الوافد أنفق في المتوسط نحو 5,669 ريالاً في الرحلة الواحدة، أمضى خلالها نحو 19 ليلة، مما يعكس إنفاقًا معتبرًا يُسهم في دعم اقتصاد السياحة الوطني.

السياحة المحلية.. أرقام قياسية ومعدلات إنفاق

وحققت السياحة الداخلية قفزات قياسية مكملة؛ فقد بلغ عدد الرحلات السياحية للسعوديين داخل المملكة 86.2 مليون رحلة مبيت في 2024، بزيادة 5 % عن العام السابق، وهو أعلى رقم تاريخي تسجله السياحة المحلية، مرتفعًا بنحو 80 % عن مستويات 2019 قبل الجائحة، وسجل الإنفاق الكلي للسياح السعوديين نحو 115.3 مليار ريال، بزيادة 1 % فقط عن 2023 (و88 % عن 2019)، وتوزع هذا الإنفاق على مختلف الوجهات والمناطق في المملكة، إذ تصدرت مكة المكرمة الوجهات المحلية بنسبة 27 % من إجمالي الرحلات، تلتها منطقة الرياض (20 %) والمنطقة الشرقية (16 %)، ثم عسير (9 %) والمدينة المنورة (8 %).

وعلى مستوى المدن الرئيسة، كانت الرياض المدينة الأكثر زيارةً محليًا بـ12.7 مليون سائح (15 % من الإجمالي)، تلتها محافظة جدة (11 %) ثم مدينة مكة المكرمة (10 %) والمدينة المنوّرة (6 %) والدمام (5 %)، وتعكس هذه الأرقام توسّع الطلب على المنتج السياحي بمختلف أنواعه داخل البلاد.

أغراض الرحلات السياحية

واتسمت أغراض الرحلات بأولويات مختلفة بين السياح الوافدين والمحليين، فقد تصدرت السياحة الترفيهية (الترفيه وقضاء العطلات) رحلات السعوديين المحليين، حيث استحوذت على 32.3 مليون رحلة (37 %) من إجمالي رحلاتهم في 2024، وجاءت زيارة الأصدقاء والأقارب في المرتبة الثانية بقوة، بعدد 30.1 مليون رحلة (35 % من الإجمالي)، بينما بلغ نصيب الرحلات في مواسم الحج والعمرة نحو 11.4 مليون رحلة (13 %). وشكلت الأنشطة الأخرى (زيارات عمل وغيرها) الـ10 % المتبقية تقريبًا.

أما السياح الوافدون، فقد جاء الحج والعمرة في صدارة أغراضهم الخارجية بما يوازي 41 % من الرحلات، غير أن الرحلات الترفيهية شهدت أسرع معدلات نمو، إذ ارتفع إنفاق الوافدين لأغراض الترفيه والعطلات بنسبة 69 % عن 2023 و620 % عن 2019، وباتت تمثل أكثر من نصف إجمالي السياح الوافدين (59 % في 2024 مقابل 44 % في 2019)، ما يعكس تنوّعاً متزايداً في دوافع السفر إلى المملكة.

الوجهات السياحية الأكثر شعبية

توزع السياح بحسب الوجهة بشكل يعكس أهمية المدن والدول. وعلى الصعيد الداخلي، استقبلت منطقة مكة المكرمة وحدها 23.5 مليون زائر (27 % من إجمالي الرحلات المحلية)، وهي تشمل محافظات مكة وجدة والطائف. وجاءت منطقة الرياض ثانية (20 %) والمنطقة الشرقية ثالثة (16 %). أما على مستوى المدن، فقد تصدرت الرياض المدينة الأولى بعدد 12.7 مليون زائر، تلتها جدة (حصة 11 %) ثم مكة المدينة (10 %) والمدينة المنورة (6 %) والدمام (5 %).

وبالنسبة للسياحة الوافدة، فقد كانت مكة المكرمة الوجهة الأعلى استقطاباً للزائرين الخارجيين، إذ توافد إليها نحو 17 مليون ليلة إقامة، كما بقيت المدينة المنوّرة ضمن أبرز الوجهات الدائمة لاستقبال الحجاج والمعتمرين، في حين أن الوجهات الترفيهية والتراثية (كالعلا والوجهات السياحية الجديدة) تشكل نسباً أصغر مقارنةً.

نوع السكن المفضل

أماكن الإقامة المفضلة لدى السياح المحليين هدفت إلى المنازل الخاصة (زيارة الأصدقاء والأقارب أو بيوت يمتلكها السائح)، حيث أقام 37 % من السياح السعوديين في مثل هذه المساكن، وحلّت الفنادق في المرتبة الثانية بنسبة 32 %، تلتها الشقق المفروشة بنسبة 25 %. واستحوذت الخيارات الأخرى (كالمنتجعات والفنادق الاقتصادية) على النسبة المتبقية (6 %). ويؤكد هذا التوجه توسّع ظاهرة «السياحة العائلية» في السعودية، رغم النمو الملحوظ في الإقامة الفندقية بفعل زيادة المعروض الفندقي ورفع السعة الاستيعابية.

أشهر الذروة ودول المصدر

سجل قطاع السياحة ذروات واضحة في 2024. ففي المواسم الخارجية، تحقق أعلى عدد سياح وافدين في شهر مارس بواقع 3.2 ملايين سائح، نتيجة تزامن موسم الربيع مع حملات تسويقية مكثفة. أما السياحة الداخلية، فبلغت ذروتها في شهر يونيو بواقع 9.6 ملايين رحلة (تمثل 11 % من إجمالي رحلات العام)، تلاها شهر يوليو بنسبة 9 % من الرحلات (7.9 ملايين)، ويعزى ذلك إلى مواسم الصيف وعطلات نهاية العام الدراسي وعيد الأضحى.

أما على مستوى الأسواق المصدّرة للسياح، فجاءت مصر في الصدارة بوصفها أكبر سوق سياحي خارجي للمملكة (3.2 ملايين زائر)، وجاءت دول الخليج الآسيوية في المقدمة أيضًا، فقد احتلت باكستان المرتبة الأولى بين دول آسيا ومحيط الهادئ بعدد 2.8 مليون وافد، تلتها البحرين بـ2.6 مليون (أعلى حصص منطقة مجلس التعاون)، وفي أوروبا كانت تركيا أكبر مصدر (حوالي 0.9 مليون)، أما من الأميركيتين فتصدر الولايات المتحدة القائمة نحو 0.4 مليون سائح، ومن إفريقيا كانت نيجيريا المصدر الأكبر بنحو 0.2 مليون، وتشير هذه الأرقام إلى التنوع الجغرافي لزوار السعودية، مع هيمنة واضحة لأسواق المنطقة المجاورة والشرق الأوسط على سفراء المملكة السياحيين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

إغلاق