“انقراض وشيك” الجلد الطبيعي يُغادر سيارات المستقبل.. والسبب وراء اختفاءه من صناعة السيارات؟

لطالما ارتبط الجلد الطبيعي بلمسة الفخامة والرقي في مختلف المجالات، ولم تكن صناعة السيارات استثناءً؛ فقد لعب الجلد الطبيعي دورًا بارزًا في تصميمات السيارات الداخلية على مدار العقود الماضية، حيث اعتُبر رمزًا للراحة والأناقة والمتانة.

ولكن؛ في السنوات الأخيرة، شهدنا تحولًا ملحوظًا في صناعة السيارات، بعد أن اتجهت العديد من الشركات المُصنعة نحو استخدام بدائل اصطناعية للجلد الطبيعي، وفي هذه المقالة، نأخذكم في رحلة عبر الزمن لاستكشاف تاريخ استخدام الجلد الطبيعي في صناعة السيارات، ونستعرض مزاياه وعيوبه، ونناقش الأسباب التي أدت إلى اختفائه بشكل كبير من هذه الصناعة في السنوات الأخيرة؟.

الجلد الطبيعي في عصور ما قبل التاريخ

بالبحث عن تاريخ الجلد الطبيعي، نجد أن أقدم دليل على استخدام الجلود يعود إلى عصور ما قبل التاريخ، حيث استخدم الإنسان البدائي جلود الحيوانات التي اصطادها ليلبسها من أجل الحماية بعد أن اكتشف أنه يمكن تقوية الجلد عن طريق تجفيفه على النار، وقد أدر البشر الأوائل أن جلود الحيوانات التي اصطادوها يمكن أن توفر الحماية ضد العناصر والحيوانات المفترسة.

ومن الحقائق التي نستدل بها على هذا الكلام؛ فقد استخدمت شعوب ما قبل التاريخ جلود الحيوانات لتغطية نفسها وحماية نفسها من الظروف الجوية القاسية، لقد صنعوا ملابس بدائية عن طريق خياطة وتجميع الجلود باستخدام الأوتار والأربطة أو الألياف النباتية، وقد كانت هذه الملابس الجلدية تبقيهم دافئين خلال مواسم البرد، وتحميهم من الخدوش والجروح.

كما دخلت الجلود أيضًا في استُخدمت أخرى منها، صًنع ملاجئ مؤقتة، وتوفر هذه الملاجئ الجلدية حماية إضافية ضد الرياح والأمطار والعناصر الأخرى، ومن ثم وبمرور السنين تطورت تقنيات الإنسان في تطويع الجلود الطبيعية وتشكيلها لتُستخدم في الكثير من الالأمونر، لقد قطعوا قطعًا من الجلد لصنع الحبال والسيور والأشرطة لربط الأشياء أو حملها، كما استخدموا قطعًا من الجلد لصنع الحقائب والأحزمة وغيرها من العناصر الأساسية لحياتهم اليومية.

وعلى الرغم من أن تقنيات الدباغة الرسمية لم يتم تطويرها بعد، إلا أن شعوب ما قبل التاريخ اكتشفت طرقًا بدائية للحفاظ على الجلود، وقاموا بإزالة اللحم والشعر من جلود الحيوانات ومعالجتها بمواد طبيعية مثل الملح أو الدهون الحيوانية لـ تليينها ومنعها من التحلل، ومن ثم استخدامها في كثير من الأمور الحياتية.

قيمة الجلد الطبيعي في الحضارات القديمة

أدركت الحضارات المصرية واليونانية والرومانية القديمة بالفعل قيمة الجلود، حيث كان الجلد الطبيعي مادة ثمينة تستخدم في مجموعة واسعة من المجالات، من بينها الملابس والإكسسوارات فقد كان المصريون يرتدون الصنادل الجلدية ويستخدمون الأحزمة الجلدية لتثبيت ملابسهم في مكانها، كذلك نجد ذلك أيضًا في الحضارة اليونانية، فضلًا عن استخدام الجلود في الدروع والمعدات العسكرية، كذلك نجد استخدام الجلود في تلك الحضارات القديمة في مستلزمات السفر؛ حيث تم استخدامها في صناعة حقائب السفر والأمتعة منها حقائب جلدية تسمى “بيرا” أو “لوكولوس” لحمل أمتعتهم أثناء التنقل.

ونجد أيضًا المخطوطات وتجليد الكتب ضمن قائمة الاستخدامات الخاصة بالجلد الطبيعي في تلك الحضارات القديمة، فقد كانت المخطوطات القديمة تُكتب عمومًا على الرق وهو عبارة عن جلد حيوان مُعد خصيصًا للكتابة، وغالبًا ما كانت أغلفة الكتب مصنوعة من الجلد، وفي بعض الأحيان كانت مزخرفة بشكل غني بالزخارف والزخارف.

وقد يشهد استخدام الجلد في الحضارات القديمة على أهميته كمادة متعددة الاستخدامات، توفر الحماية والراحة والجمال لمختلف جوانب الحياة اليومية وثقافة ذلك الوقت.

الجلد الطبيعي والثورة الصناعية

مع ظهور الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر، شهد إنتاج الجلود تحولًا كبيرًا. تم إدخال الآلات لتسريع عملية الدباغة وجعل إنتاج الجلود أكثر كفاءة؛ وقد أتاح ذلك تلبية الطلب المتزايد على الجلود مع نمو السكان وتقدم التصنيع.

تم استخدام الجلد الطبيعي في العديد من القطاعات الصناعية المزدهرة، على سبيل المثال صناعة النسيج لأحزمة الآلات والخيوط والمحامل، كما تم استخدامه في صناعة التعدين لأحزمة الأمان والأحذية المقاومة للصدمات، وأدى الإنتاج الصناعي إلى زيادة توافر السلع الجلدية في العديد من المجالات الصناعية منها الأحذية والملابس والإكسسوارات والمفروشات

الجلد الطبيعي في العصر الحديث

اليوم، يتم استخدام الجلد الطبيعي في مجموعة واسعة من المجالات، حيث يتم استخدامه لصنع الملابس والأحذية والحقائب والأثاث والعناصر الزخرفية، وتستمر صناعة الأزياء والسلع الفاخرة في لعب دور رئيسي في استخدام الجلود، واستمر الجلد الطبيعي في العصر الحديث، مادة شائعة وموضع تقدير في العديد من المجالات.

وعلى رأس تلك المجالات الصناعية السيارات؛ حيث يُستخدم الجلد الطبيعي على نطاق واسع في صناعة السيارات للـ ديكور الداخلي للسيارة، وتضيف المقاعد الجلدية وعجلات القيادة والديكورات الداخلية لمسة من الفخامة والرقي إلى المركبات، ويحظى الجلد الطبيعي بالتقدير لـ مقاومته للتآكل وجاذبيته الجمالية الراقية.

لماذا يتبنى صانعو السيارات الجلود الصناعية؟

منذ استخدام الجلد الطبيعي البدائي من قبل أسلافنا إلى مكانته المركزية في المجتمع الحديث، تكيف الجلد وتطور عبر العصور، ولطالما كان يُنظر إلى الجلود على أنها الخيار الأفضل في السيارات، خاصة في قطاع السيارات الفاخرة، والآن تأخذ بعض شركات صناعة السيارات مخاوف المستهلكين بشأن الاستدامة ورعاية الحيوانات على محمل الجد، لذا عملت الكثير من الشركات على تجنب الجلود الحيوانية تمامًا أو يفرضون آلاف الدولارات الإضافية على العملاء إذا كانوا يفضلون جلود البقر على عجلات القيادة والمقاعد

خلال فترة الخمسينات من القرن الماضي، كانت السيارات تحتوي على بديل جلدي يسمى Naugahyde، وهي مادة تبدو وكأنها الفينيل، وخلال السنوات الماضية تبنت شركات صناعة السيارات الفاخرة على وجه الخصوص الاتجاه نحو الجلود الصناعية والمواد المعاد تدويرها، وقد توقفت شركة تسلا الأمريكية عن تنجيد مقاعد سياراتها الكهربائية بالجلود الطبيعية في عام 2017.

وأصبح الآن من المعتاد أن تأتي معظم السيارات الحديثة مُجهزة بـ داخلية من الجلد الصناعي وليس الجلد الطبيعي، وأصبح الجلد الطبيعي مُقتصرًا على العلامات الفاخرة والطلبات الخاصة من العملاء، ويرجع ذلك إلى عدة أسباب رئيسية، هي:

  • الجلد الصناعي اسهل بالتنظيف ولا يتسخ بسهولة.
  • الجلد الصناعي معمر أكثر ولا يحتاج إلى العناية باستمرار على عكس الجلد الطبيعي.
  • الجلد الصناعي أرخص في السعر ومتوفر بشكل أكبر من الجلد الطبيعي.

المصدر: المربع نت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

إغلاق